Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأخبارالمعارضة الإيرانية

السويداء السورية؛ وسيناريو الغد المتوقع

السويداء السورية؛ وسيناريو الغد المتوقع

ایلاف – د. محمد الموسوي:

أحلُم أن أُصبِح يوما أنا ومن بعدي في أمةٍ بلا أزمة؛ هذا إن كان في العمر بقية…

على أرض الواقع في سوريا لا دولة ولا مؤسسات ولا سيادة؛ ولا قوانين قابلة للتطبيق إلا على الضعفاء المغلوبين على أمرهم في مناطق وجود جماعات النظام وعصاباته المختلفة، وللقارئ أن يعرف أن عصابات السلطة في النظام السوري ليست حديثة العهد أو نشأت بعد المجيئ ببشار الأسد إلى السلطة فهي عتيقة متأصلة في السلطة ولها نفوذ وامتيازات ومنافع ومصالح متعددة؛ وما كان إجماعهم جميعاً على المجيئ ببشار الأسد إلى السلطة إلا من باب حفظ وجودهم ودوام منافعهم.

فسوريا المليئة بالرجال والكفاءات لم تكن بحالة من الإفلاس البشري الذي يدفع إلى الإستسلام للمجيئ بشخص لا علم له بشيء في شؤون الدولة سوى أنه الصورة التي ستجري من تحتها الأمور وتستمر من خلالها المصالح ويستمر عنوان الممانعة والمقاومة الذي يُدِر الكثير من الخيرات فنكبة فلسطين والفلسطينيين جاءت بخير على كثيرٍ من أصحاب المخططات والأعمال، وأكبر الأدلة على ذلك هي أن سلطات الإحتلال في فلسطين المحتلة التي تدكهم دكاً محدوداً وقد يكون متفق عليه بين الحين والآخر لو علمت أنهم ممانعون حقيقيون لحرقت الأرض تحت أقدامهم ولن تُبالي فالأمر العسكري والأمني المتعلق بطلعة أو طلعات جوية أو عمليات لضرب هدف أو هدفين يمكن أن يصدر لضرب عدة أهداف لكن المحتل يعلم أن في وجودهم مصلحة له وإضعاف لمحيطهم وهذا هو المطلوب تحقيقه، فوجود هؤلاء أضعف لبنان وأهلكها، وأضعف العراق وأهلكه، ويقترب من محو مسمى الهوية والدولة في اليمن بعد هذا الخراب والدمار الهائلين على كافة الأصعدة، وكذلك وضع شبه الجزيرة العربية على كف عفريت، وبالتالي فإن الضعف أيضاً سيصيب الدول العربية الأخرى بشكل مباشر وغير مباشر؛ وهذا هو الحال الذي نحن دون مكابرة! وهذا هو الحصاد من تيار المقاومة والممانعة الذي لو صدق لتمخضت عنه نقلة سياسية ولو محدودة على الأقل لصالح الشعب الفلسطيني، لكن ما أفلحوا به فعليا لأجل فلسطين المحتلة هو شق صفوف المناضلين المتراصة وإضعاف قدراتهم.

اليوم تنتفض السويداء السورية وعلى كاهلها ركام الماضي المنهك للقلوب والعقول ومؤخرا الأبدان التي تضمر رويداً رويداً على وقع الأزمات السياسية والاقتصادية والفساد الإداري؛ تنتفض السويداء السورية اليوم على نحو غير متوقع لأقلية محدودة موزعة على سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وعلى الرغم من كبر حجمها نسبيا في سوريا قياساً لباقي الدول إلا أنه لم يكن متوقعا أن تنتفض على السلطة في سوريا رغم التاريخ الثوري للدروز وقادتهم المعاصرين أمثال الزعيم كمال جنبلاط الذي كان رمزاً لجميع الدروز في دول المنطقة والشتات وخلف تاريخاً نضالياً يحترمه الجميع ونحترمه، ويشهد التاريخ للدروز بانتفاضتهم في وجه كل غاصب، ويبدو أنهم يرون اليوم أكثر من أي وقت مضى من أن نظام الحكم في سوريا نظاماً غير شرعي وبالتالي فهو غاصباً ولذلك ينادون بإسقاطه في ثورة نوعية لم يسبق أن شهدتها السويداء التي لم تنسى هويتها ومتمسكة بوطنيتها، وقد تُصبح ثورتها الممتدة المتأججة إلى اليوم الفتيل الذي سيلهب مشاعر باقي الأقليات السورية.

ولا يُستبعد أن يحدث حراكاً شعبياً في الأوساط العلوية فليس كل العلويين مميزين لدى النظام السوري خاصة عندما يرون أن الكرامة قد هانت وأن الرزق مفقود وأن الوطنية لم يبقى لها اسماً ولا رسماً، وأن صدارة الموقف أصبحت للمجرمين والمتردية والنطيحة داخل النظام، وأن سوريا الوطن باتت على وشك أن تُصبح مجموعة دويلات متنافرة على أسس عرقية ودينية وطائفية؛ وإن حدث ذلك فالعلويون مهددون بسوء المصير أيضا ولو تأخروا في مواقفهم سيتحملون وزر من تميزوا بالسلطة ونعيمها، وعليه لا خيار لهم سوى أن يكونوا في ركب المسار الوطني وبموقف مشرف يفرض لصالحهم استحقاقات وطنية مستقبلية، ولا خيار أمام جميع الوطنيين السوريين سوى الاستحقاقات الوطنية في دولة مدنية موحدة يحكمها قانون المواطنة والمواطن، وكل يوم يُمضيه النظام السوري في السلطة يُقرب الدولة السورية من مشروع التفتيت، ومن المؤكد أن مستقبل جميع السوريين بلا إستثناء بعد التفتيت هو مصير مأساوي، وعليه فإن صوت العقل والخيار الأصلح لمستقبل السوريين هو الإصطفافات الوطنية في وجه جميع التحديات، وأصعب التحديات هي مشاريع الفتنة العرقية الطائفية التي تجري وتتعاظم على الأرض ويرعاها نظام الملالي الحاكم في المنطقة.

التاريخ يعيد نفسه من العراق إلى السويداء؛ ومسرحية داعش
تُعيد الأحداث التاريخية نفسها وبنفس النمطية، وهنا نستذكر معا الثورة العارمة لأهالي المناطق الشمالية الغربية في العراق (مناطق العرب العراقيين السُنة) وقد تزامن معهم حراكٌ في الوسط والفرات الأوسط والجنوب بالعراق، وتضامنت مع المتظاهرين من أبناء العرب السُنة العراقيين عشائر جنوب العراق العروبية الشيعية، وبدأ على إثرها الوضع السياسي الخاوي الهزيل في العراق بالتأرجح منحدراً نحو الهاوية التي رآها من في السلطة مقتربة منهم مرحبة بهم الأمر الذي كان مثاراً لقلق الحريصين على بقاء واستمرار العملية السياسية الفاشلة وغير الشرعية في العراق، ومن منطلق هذا الحرص اتفقت الأطراف الحريصة تلك على توزيع الأدوار لإيجاد مخرج من أزمة الحراك العربي السُني الرافض للفساد والإرهاب والعملية السياسية كلها، فكانت أسهل التُهم التي يمكن توجيهها لهؤلاء الثوار هي تهمة أنهم إرهابيين ويأوون جماعات إرهابية في صفوفهم تقودهم وتمولهم ليطعنوا بشرعية ذلك الحراك ويوفروا الأرضية المطلوبة لقمعه والقضاء عليه وإخضاع تلك المناطق سياسياً إلى أجل بعيد علماً بأن أهل تلك المناطق كانوا من أكثر المتضررين من الإرهاب على يد القاعدة في حينها، وسرعان ما كانت التحركات الإستخبارية للنظام الإيراني وللغرب على الأرض إلى جانب توافقات من هنا وهناك، ويستدعي حرس الملالي ما أسموهم فيما بعد بالدولة الإسلامية في العراق والشام ليُطلقوهم كالذئاب في تلك المناطق تنهش في أهلها وتبيدهم، وهو ما يستدعي تنفيذ الخطة بدءا من أوامر نوري كامل المالكي بسحب أفراد القطعات العسكرية لما يسمى بالجيش من محافظة نينوى وترك كل معداتهم في مواضعها حتى من يحمل مسدسا عليه أن يتركه في مكانه وينسحب، وتدخل عصابات داعش حسب الخطة والإتفاق لتجد البنوك عامرة بالمال وتجهيزات جيش بأكلمه موجودة ومحافظة كبيرة خالية من أي مقاومة ولو أرادوا إقامة دولة محافظة نينوى العراقية وحدها لأفلحوا في ذلك بما توفرت لهم فيها من مقدرات وتسهيلات، هذا ما عدا اساطيل السيارات الحديثة ذات المنشأ الواحد التي توفرت لهم فجأة وبقدرة قادر، صنعوا داعش وسوقوها وإجرامها إعلامياً، وتوفرت لمن صنعها الأسباب الكاملة والمبررات ليأتي للقضاء عليها في ظاهر الأمر ..أين ؟؟

في مناطق العراقيين العرب السُنة، وبفتوى مرجعية سامرية يتأسس ما يُسمى بـ الحشد الولائي من مختلف الأشكال من العاطلين والراغبين في الهروب بعيدا من سطوة ورقابة الوالدين، والراغبين في السرقة والسلب والنهب وممن تم تعبأتهم فكرياً من الطائفيين العنصريين الجهلة الذين لا يعرفون شيئا عن هويتهم ووجودهم على الإطلاق، وبدون تدريب ولا تأهيل تبدأ عمليات الكر والفر المُتفق عليها بين أصحاب المخططات وداعش، فيقف هؤلاء هنا متجحفلين وتهلل وتغرد أصوات إطلاقاتهم غير الموجهة لهدف من صبية أعجبهم إلتقاط صورة لأنفسهم وهم يطلقون النار، وكذلك أصوات الجانب الآخر الذي كان مُحترف القتال على أعلى المستويات، ولو كان الأمر بيدهم لأبادوا أكثر من نصف الحشد لكنهم ملتزمون بالإتفاق ولهم تاريخٌ يشهد لهم بقدراتهم القتالية في أفغانستان والشيشان، وفي حلبجة وسيد صادق وبيارة وطويلة بالعراق(أنصار الإسلام) الذي كانوا تحت رعاية حرس نظام الملالي، وتبدأ مشاهد المسرحية.. أخرج من هنا حتى أقتحم وأُعلن نصرأً، وأذهب إلى موضع آخر وقاتل وأنتظر، ويدخل الحشد بقيادة حرس الملالي تلك المناطق ليقضي عليها وينهب ممتلكاتها ويقتل ويغتصب ويرتكب أقذر المحرمات والموبقات بحجة داعش والمشاهد الدالة على ذلك كثيرة ومؤلمة، ويتم تشريد الملايين من أبناء تلك المناطق داخل العراق وخارجه، وبعد القتل والسلب والنهب والاغتصاب وتدمير ممتلكات الناس يأتي إخضاعهم وإذلالهم وتتشكل منهم ميليشيات تنضم إلى الحشد وكذلك تشكلت ميليشيات من الأيزيديين والمسيحيين تحت لواء الحشد بقيادة حرس الملالي، فرصةٌ اغتنمها الكثيرون من صيادي الأزمات ليشكلوا ميليشيا لها مطلق الصلاحيات أينما حلت ولها تسليح وتمويل سخي دون رقيب أو حسيب، وما تم التخطيط لأجله قد نجح؛ دارت مسرحية داعش حسب المطلوب وتم تركيع مناطق العرب السُنة وكسر إرادتهم وبات البعض منهم يلهثون وراء النظام الإيراني من أجل مخصصاتهم السياسية في فطيسة السلطة بالعراق، وتم تمكين الجماعات الموالية لنظام الملالي سياسياً ومالياً، ومن يُريد أن يتدرج في فهم واقع الحال فلينظر إلى حجم الأموال التي طرأت على السوق بالعراق وحجم الرفاه المُخصص والتناقضات بين الشعار والسلوك وبين الحال والنقيض في عموم العراق بلا استثناء.

السويداء.. وما نخشاه على السويداء فحجم ثورتها وديناميكيتها مقاربة لحجم ما كان في الثورة التي اندلعت في مناطق العراقيين العرب السُنة في العراق وتكالبوا عليها بذلك المخطط فقضوا عليها وركعوها وخلقوا منها من يسير تحت عبائتهم الموبوءة، وبإمكان هؤلاء البغاة أن يعيدوا الكرة على السويداء ويطوقونها ويفتكون بها وبمن معها وحولها إذ لا توجد منطقة عازلة لها، وفي الوقت ذاته يجري الحديث عن ظهورٍ جديدٍ لـ داعش هنا وهناك علماً أن داعش عفريت يتم تحضيره وقت الحاجة وصرفه عند الإنتهاء من الحاجة إليه، وزيارة إشمائيل قاءاني لسوريا ستصب في صنع خيارات من هذا النوع، وفي حال نجح إشمائيل قاءاني في مخططه وتُرِك له الأمر في ذلك ستخرج المنطقة العربية بنكبة جديدة مضاعفة هذه المرة؛ نكبة قد تضطر دولة كالأردن المجاورة أن تستخدم خيار التدخل بقوة عسكرية ضاربة لأنها ستكون من أكثر الدول تضرراً وإن لم تفعل ذلك وتُرِكت بمفردها فستكون عرضة لإخضاع الأمر الواقع على كافة حدودها مع سوريا وربما العراق أيضاً ذلك لأن العراق لا سيادة له وتقوده ميليشيات بالوكالة لصالح نظام الملالي، وسيتدفق المزيد من اللاجئين إلى الأردن وستتسع رقعة تهريب السلاح والمخدرات والتسلل، وعندها قد نقول خدعوك فقالوا تطبيع، وكسبوا عنصر الزمن الذي هو أثمن شيئ يحتاجونه، وخسرت أنت نفس العنصر الذي كان من الممكن أن يسمح لك بخلق حلول.
الحل الذي لا ولن يكون شيئاً غيره

هو نفس الحل الذي طالبت به قوى سياسية ومدنية وعشائرية عراقية ولا زالت تطالب به هي وكافة المتضررين الذين يعرفون حقيقة نظام الملالي جيداً، والحل هو إسناد المقاومة الإيرانية والشعب الإيراني في إسقاط نظام الملالي الذي يتقوى على أزماته الداخلية ويهيمن على الوضع في إيران من خلال خلق أزمات خارجية كثيراً ما يُفلح في إنجاحها بالمال والسلاح والخداع، وخزينة بغداد وطهران مفتوحة للوالي يعبث بها كيف يشاء، لقد قالها الكثير من العراقيين من قبل منذ عام 2004 عندما لم تكن صنعاء ودمشق مُحتلتين (تحرير بغداد يبدأ بتحرير طهران من الملالي) واليوم صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت تقع تحت إحتلال الملالي، وتقع عمان تحت التهديد والإستنزاف الشديدين؛ وبات تحرير طهران أسهل حتى من التفكير في تحرير أي مدينة من هذه المدن العربية التي يحتلها ويديرها إشمائيل قاءاني، وبات الوقوف اليوم إلى جانب المعارضة الوطنية الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وانتفاضة الشعب الإيراني.. بات فريضة أكثر من ذي قبل، وليس مطلوباً من أحد أن يعلن حرباً أو يحمل سلاحاً علماً بأن المعاملة بالمثل مطلوبة إن تطلب الأمر… إنه خيارنا الوحيد والأخير مهما بعدنا عنه تحت أية ذريعة، وعلى من يخاف من خيال البعير على التل أن يُنزِل البعير ويستريح وما أسهل نزوله لو أردنا ذلك، وأخشى ما أخشاه أن نصل إلى مستوىً نستمتع فيه بأزماتنا كشيئ ندور ونجتمع ونتسامر حوله.

زر الذهاب إلى الأعلى