Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المعارضة الإيرانية

الرسالــــة التاريخـــــية مــــن أشـــــرف «3»

الرسالــــة التاريخـــــية مــــن أشـــــرف «3»

غير انني لم اكن اعرف الاسباب الاخرى لنقل المؤتمر الى مدينة بدت لي قاتمة مجهولة، ولكن من يدرك ما حدث في صيف 2018 في باريس يستوعب الدواعي الامنية لنقل المؤتمر من باريس الى مدينة تيرانا، فالجميع قرأ عبر وكالات الانباء والصحافة بكل الوانها واشكالها حقيقة اكتشاف الاجهزة الامنية في باريس وبالتعاون مع امن النمسا والمانيا وبلجيكا بالكشف عن الخلية الارهابية التي كانت تدار من عواصم اوربية، استعدادا لتفجير مؤتمر باريس وقتل العدد الكبير من الحاضرين وتدمير اوسع مساحة من المنشآت التي تحيط بنطاق دائرة المؤتمر السنوي الباريسي لمجاهدي خلق.

هذا العام بكل هدوء وصمت، تم توزيع الدعوات فيما نوافذ الاعلام وعيونها تتهافت لمعرفة هل من جديد لمؤتمر مجاهدي خلق الباريسي هذا العام (يوليو 2019)؟؟. عاشت الاستخبارات الايرانية طوال تلك الشهور بقلق وحيرة التنقيب عن المكان الممكن فيه عقد المؤتمر السنوي لمجاهدي خلق خارج باريس،

خاصة ان حادث المؤامرة في العام الماضي تركت ظلالها على كل المؤسسات الامنية والسياسية في فرنسا وغيرها من بلدان الاتحاد الاوروبي. ونتيجة لضخامة الحدث السنوي من حيث الضيوف والاستعدادات،فإن وفق تصورات الامن الايراني ممكن عقده خارج فرنسا، بل وليس بالامكان عقده إلا في مدن اوروبية لديها امكانيات هائلة لحماية وصيانة مجريات المؤتمر، كل ذلك كان ممكنا في ذهن الامن الايراني، غير أنه لم يكن في حسبانهم ابدا ان يعقد المجاهدون مؤتمرهم في تيرانا عاصمة البانيا اعتقادا من الاجهزة الامنية الايرانية أن مخيم اشرف «3»، ليس جاهزا ولا يمكنه تحمل طاقة وفود متنوعة واعلام عالمي كانت باريس وحدها قادرة على تحمله وتقديم التسهيلات له، فكانت كل تحضيرات المؤتمر السنوية مذهلة ومثار اعجاب المشاركين والحاضرين. البانيا بابوابها ونوافذها المغلقة وامكانياتها المحدودة، جعلها اعضاء مجاهدي خلق مثار اعجاب عالمي، حيث تحول معسكر اشرف «3»، الى حديقة عالمية بالاضواء والغناء والانشاد وروح الفرح الرفاقي بين الجميع، بين لغات اممية جاءت لتدافع عن حرية ايران الجديدة.

تحلق المخيلة في فضاء مفتوح
حين قرأت تفاصيل الدعوة ومكان عقدها، قلبت اموري الشخصية خاصة وانني ما زلت اتلقى علاجي، فلربما هذه المشاركة ترهقني وتحدث لي انتكاسات لا تحمد عقباها، وفي ذات الوقت كان لابد ورؤية هذه التجربة الجديدة لمخيم اشرف رقم «3»، والامر الاخر ملامسة خرافة البانيا المجهولة المختفية في كهوف الزمن، منذ ازمنة الحرب الباردة، فقد ظلت صورة البانيا في الذهن حالة قاتمة وعصية على الفهم، فقد كانت البانيا تجربة اشتراكية منفردة لحالها، فلم تكن شريكا لا لمحور الصين ولا محور موسكو ولا مهتمة بتجربة يوغسلافيا المجاورة البلقانية، فقد قرروا واختاروا الالبان لون وشكل تجربتهم الاشتراكية ونهجوا طريقهم وفق مزاجهم «الثوري»، المهم اغلاق باب بيتهم باحكام على الجميع وحماية شعبهم من المؤثرات البرجوازية العالمية. نست البانيا العالم مثلما العالم بكل صراعاته نسى البانيا، وكأنهم جماعات اهل الكهف، لهم عملتهم وبضاعتهم ولغتهم! ولا احد قادر على تفكيك الغاز هذا البلد العجيب! المؤمن بحالة «، الاعتماد على الذات!» ومع الانفجارات السياسية الكبرى في المعسكر الاشتراكي وانتشار لهيب التغيير في تلك البلدان، استيقظ العالم ليتذكر ان هناك بلدا اسمه البانيا نوافذه المغلقة انفتحت، وإن هناك شعبا خرج للشوارع مع رياح التغيير في تلك البلدان المغلقة بالحديد والنار. انهار الستار الحديدي، وبات العالم كله متشوقا لرؤية هذا العالم السري المجهول، وكنت واحدا من ضمن الملايين الذين مسهم فضول اختراق ما لايمكن اختراقه منذ زمن، كسائح متعطش لرؤية العوالم الغامضة من داخل بيت النحل الالباني.

الواقع يزيل رتوش التخيل
تأملت ارض البانيا من سمائها من خلال نافذة الطائرة، فوجدت سلسلة جبال جميلة خضراء وسهولا ووديانا بديعة. ما ان هبطت الطائرة ارض المطار بقاعته الصغيرة المتواضعة، حتى وجدنا انفسنا نمشي على اقدامنا من سلم الطائرة حتى كونتر الجوازات. تذكرك الوجوه الشاحبة والغاضبة بنمط من الانظمة الاستبدادية المعنية بالانضباط البوليسي، غير اننا في الحقيقة لم نجد ذلك لسهولة المعاملة، بل وحملنا حقائبنا التي كانت تبتعد امتارا قليلة عن مسافة الكونتر. وبسهولة متناهية كانت دافئة قاعة الانتظار الصغيرة، حيث التقينا مضيفونا بحميميتهم المعتادة. ظلت الاسئلة داخلي كيف ستكون تيرانا خارج تلك القاعة المتواضعة؟ لم استطع ضبط زوم المخيلة، إلا بعد أن وجدت نفسي جالسا في السيارة في طريقي للفندق. وبكل فضول انساني لكهف الزمن تلاحقت عيناي من النافذة، ومع كل دقائق تمر يخف توتري وقلقي من توقعات مسكونة في الدماغ عن تلك البلاد. دون شك كانت البيوت والعمارات تنتمي لزمن الخمسينات في دولة من دول العالم الثالث، بسمة متواضعة من الالوان والتصاميم العمرانية. تلمس كثافة السيارات الاوروبية الجديدة الراسمالية، وبعض من سيارات سكودا كانت مصنوعة في تشيكوسلوفاكيا ما قبل التقسيم. هذا الطراز من السيارات المتناقضة تعكس لك حقيقة التناقض الاجتماعي والطبقي المكشوف في البانيا الجديدة، كما لم يلفت نظري طوال الطريق حداثة العمران من معمار زجاجي كما نجدها في المدن الحديثة، ولكنني للحقيقة لمست ملامح ذلك التنوع العمراني في قلب العاصمة، فالقديم يجاور الجديد، والامل يعيش قريبا وهادئا مع قلق الحاضر، خاصة وان هناك جيلا جديدا في البانيا يتوق لمستقبل زاهر مع رغبة الانتماء لعضوية الاتحاد الاوروبي.

مساء تيرانا الساحري
كان من حظنا اننا وصلنا بعد الظهيرة حيث النور لا زال يسلط عدسته على معالم المدينة وهي تستعد لوشاح الليل الالباني، وكالعادة تجد في المؤتمرات صديقا سابقا التقيته ايضا في مؤتمرات مجاهدين التاريخية في باريس. بعد دردشة سريعة خاطفة قررنا الخروج من جدران الفندق ففرصتنا الوحيدة هذه الساعات القليلة قبل بدء المؤتمر غدا. كعادتي استفسرت من موظف الاستقبال عن المدينة القديمة ومركزها التاريخي فعرفت انني احتاج 45 دقيقة مشيا، فقررت تأجيل المشروع ولكن الموظف اشار بأن حول الفندق هناك حياة نشطة ومطاعم ومجتمعا ليليا لطبقة وسطى وبرجوازية صغيرة ميسورة، بدت بكل وضوح تعكس انتعاش القدرة الشرائية، بل ومن خلال نمط السيارات تلمس انتعاش الحالة الاقتصادية عند شرائح معينة. ونحن نتجول بين تلك المطاعم والمقاهي وجدناها عامرة ومزدحمة بالعائلات والجيل الشاب، يستمتعون بنمط عصري استهواهم وقد اقتحم بلادهم، بل وبدت اشكال ووجوه الغرباء مثار نظراتهم واستكشافاتهم لكل تلك السحنات والرطانات. كان طوال حديثنا ونحن نحتسي القهوة حول شؤون تلك البلاد وما هي اطباعهم وخصوصيتهم، كنا نفتش عما هو غير مرئي ولا محسوس، بكل تلك السهولة لمكان كنت انت غريبا فيه وهو غريب بك. بدا مجهود وتعب السفر يطفح على وجوهنا، في نهاية امسيتنا وقبل العودة للفندق والنوم قررنا اللقاء على مائدة الافطار، ولكن من يضمن استيقاظ العرب في المؤتمرات والالتزام بساعة محددة؟، لذا حاولت في الصباح المبكر ان اصنع برنامجي ولو لساعات يتيمة، قبل بدء المؤتمر ظهرا.

في طريقنا لمدينة الحرية
حملتنا الحافلات الى مخيم أو معسكر اشرف «3»، وتيمنا كان الجميع متفقين على تسميته ايضا مدينة الحرية، فالاسم يوحي بروح المخيمات والمعسكرات المجهزة لمقاتلين افنوا حياتهم من اجل تحرير ايران، غير ان اشرف الثالث لن يكون كالمعسكرين السابقين الاول والثاني، حيث تتميز اشرف «3»، بطرقاتها الجميلة المنسقة كمدينة حديثة بها كل المرافق الضرورية وغرفها وكابيناتها وقاعاتها المزينة بتلك الالوان الزاهية، وبوابة الدخول التي تذكرك باقواس النصر والاعلام الايرانية والاعمدة البيضاء التي تماهت مع السماء، كلها امتدت على اتساع النظر بعضها شيدت على هضاب مرتفعة في قلب مساحة سهلية خضراء في كل الفصول، حيث تزهر الحشائش والزهور البرية الندية، تذكرك اشرف «3»، بحياة التفاؤل والامل ونظرة التطلع نحو الحرية القادمة والعودة سريعا نحو الوطن. لقد تم تشييد اشرف «3» في منطقة «ميناء دوروس»، وهو يبعد 15 كم من اشرف الثالث و17 كم من تيرانا العاصمة، ويعيش سكان المعسكر في الوقت الحاضر باكتفاء ذاتي من خلال تبرعات ابناء الجالية الايرانية في العالم. والفارق المميز بين اشرف الاول والثالث فقد شيد الاول عام 1986 في ديالى كأحد المعسكرات الرئيسية لجيش التحرير الوطني الايراني وعاش فيها مجاهدو خلق حتى عام 2012 و2013، أي لمدة سبعة وعشرين عاما قبل ان يتم نقلهم قسريا الى معسكر ليبرتي (وهو ضمنيا اشرف الثاني) ولم يكن ليبرتي الا مخيما عسكريا سيئا وطارئا للجيش الامريكي بعد دخولهم العراق، ولا يصلح مكانا لعيش البشر، في هذا المعسكر سقط العشرات ضحايا وشهداء في صراع ومواجهة غير متكافئة مع ميليشيات ايرانية وعراقية مدعومة من الحرس الثوري الغاشم، فتم قصف ليبرتي بالصواريخ والقاذفات، بهدف التصفية الكاملة لمن بقى من اعضاء مجاهدي خلق في المعسكر. وقد اظهرت النساء في المعسكر بطولات استثنائية في القتال والمواجهة. وجاء الوقت للبحث عن مكان امن للخروج من فك الثعبان الايراني فتم نقل من تبقى من مقاتلي واعضاء مجاهدي خلق – بواسطة امريكية وضمانة دولية – الى البانيا. كانت اراضي اشرف الاول ممنوحة من قبل وزارة الزراعة العراقية لوزارة الدفاع من اجل تدريبات الجيش الشعبي في حينه وتم تخصيصها رسميا لمجاهدي خلق وفقا لمستندات رسمية، وقد كانوا اعضاء مجاهدي خلق يدفعون ضرائب خاصة لتلك الاراضي كونها مستصلحة وفقا للتعليمات الجارية انذاك، غير ان اشرف «3»، اراضيها كلها عقارات تم شراؤها من اصحابها المواطنين الالبان وحصلت المنظمة على الرخصة الرسمية للبناء فيها. كان يعتبر اشرف الاول بمثابة «سفارة»، حيث لم يسمح لأي جندي أو حكومي عراقي بالدخول اليه دون إذن من السكان، وهذه الحالة ايضا تنطبق على اشرف «3» باعتباره ملكا خاصا. لقد تحول اشرف الاول الى «المعقل الاستراتيجي»، لمقارعة نظام الملالي، أما اشرف الثالث فقد غدا حاليا عاصمة للمقاومة الايرانية.

اشرف «3»، المقر الرئيسي لمجاهدي خلق
انتقل مجاهدي خلق الى المعسكر الجديد في البانيا في شهر ايلول 2016 وبعد عمل مضني خارق كانت المدينة جاهزة خلال ما يقرب من العشرين شهرا حيث انتهت الاعمال كاملة للمرافق والمنشآت في تموز

2019، فتم نقل المكاتب والاجهزة وغيرها الى تيرانا فيما عدا مقر الرئيسة للمنظمة مريم رجوى ظل موجودا في باريس. وتيمنا ببطولات واستشهاد «اشرف ربيعي»، تم تخليدا لها بتسمية المخيمات تلك والمدينة الثالثة رمز الحرية القادم باسمها (المجاهدة الشهيدة اشرف رجوي اسمها الاصلي اشرف ربيعي وقد كانت من كبريات الشخصيات النسائية المناضلة وسجينة سياسية لمرات بعد فترة طويلة من نضال حرب العصابات وحرب الشوارع ضد الشاه منذ مطلع السبعينات من القرن المنصرم، وبقيت في سجن الشاه كآخر سجينة سياسية، إذ خرجت بعد شهرين فقط من سقوط نظام الشاه، بعد ان فتح الشعب الايراني سجون الشاه بعد هروبه من طهران، وبعد عدة ايام تزوجت اشرف ربيعي القائد مسعود رجوي عام 1980 وشاركت اشرف مع مريم رجوي وعضوات من مجاهدي خلق في اول انتخابات نيابية في ايران بعد الثورة، وحصلت على اصوات كثيرة ولكن تلاعب الملالي بصناديق الاقتراع حالت من دخولها البرلمان. واخيرا بملحمية نضالية استشهدت اشرف ربيعي (رجوي) في أحد اوكار المنظمة في شباط عام 1982، واستشهد معها القائد موسى خياباني نائب مسعود رجوي في ملحمة قتالية مجيدة لمجاهدي خلق في حي «الزعفرانية»، بشمال طهران وقد استمر الاشتباك المسلح اكثر من ساعتين، في صبيحة ذلك التاريخ، حيت مات جميع الكوادر المتواجدين في المقر. لتترك الصبية الحزبية «اشرف ربيعي»، خلفها ذاكرة اشرفية مستمرة بين الاجيال الصاعدة.

المشهد الملحمي لتاريخ اشرف «3»
اصيب النظام في طهران باكتشاف متأخر عن ان مكان المؤتمر السنوي الباريسي لمجاهدي خلق كان سيعقد في مدينة «اشرف 3»، الالبانية، وهناك سوف تستقبل الضيوف بالورود والنشيد، وما اذهلنا فعلا هو القدرة الاسطورية على تنظيم المؤتمر بدقة متناهية فاقت الامكانية المتاحة في باريس، فقد كان الاعلام العالمي موجودا والنواب والجنرالات وقادة الاحزاب والمنظمات السياسية والصحفيون ووكالات الانباء ووزراء سابقون، جميعهم استمعوا لخطاب الحلم الجديد من مدينة اشرف «3»، وبأن المرة القادمة سيلتقي الحاضرون في طهران وليس تيرانا، وأن هذه المسافة من مشهد المؤتمر تقرع اجراس الحرية في البيوت الايرانية البعيدة. الجديد في الكلمات التي القاها المشاركون في واقع الامر هي كلمات الوفود الالبانية وهي ما اثارت انتباهي من دون الخطب الحماسية التقليدية، فقد بعث الالبان برسالة واضحة من ارضهم الى السلطات الايرانية، بأننا لن نسمح لكم العبث باشرف «3»، ونحن نعلن بأننا مع قضية مجاهدي خلق العادلة مهما كانت الحالات. من قلب ذلك المشهد، من اوردة ارض البانيا يقف معسكر اشرف «3»، شامخا، حيث في هذا المعسكر النساء بحجابهن، القرمزي، سطرن إرثا ملحميا من التفاني والتضحية بالغالي والنفيس. وعلى هامش المؤتمر اعد الاشرفيون متحفا جميلا من الضوء والظلال في المعسكر يروي تاريخ المقاومة، حيث الجداريات والزنازين المجسمة ببقع الدم والحصار والاسلاك وعذابات المناضلين في تلك الاقبية المميتة المتوحشة، ومن كانوا يرون لك تجربتهم شخصيات حية عانت تلك المرارة ونجت من الموت باعجوبة. وبلغة الابداع جنبا الى جنب لغة السياسة، كنت امرر بصري على تلك الوجوه المتعبة والمرهقة بزمن النضال المتواصل، وجوه ارهقها الطريق النضالي الوعر ولكنها لم تتنازل او تتراجع، فقد عاش بينهم الالم دون ان يغيب عنهم الامل، ظلت شعلة الحلم متقدة في ظلمة حالكة في الوطن، وهم يوزعون ابتساماتهم لنا بكل رفاقية وكرم بارز. لم يفارقني التأمل والاعجاب طوال الايام الخمسة حاملا صمتي واسئلتي في داخلي، وأنا المح الحماس والعطاء والتصميم، بين جيل فتي واعد ثوري، وجيل ترسم معالم شيخوخة الثورة والنضال، وعلى ملامحهم الارادة الحية المشتعلة، جميعهم تعانقوا وتشابكت ايديهم من اجل انتصار الثورة والحرية في ايران المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى