Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأخبارالمعارضة الإيرانية

الحق بين صورتين، أو كيف تتعلمه

جميلٌ أحيانا أن تخطئ، فترى الصواب ماثلا بالحق المبين.

الحق بين صورتين، أو كيف تتعلمه
لي صديق في قيادة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يُرسل إليّ

علي الصراف

لي صديق في قيادة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يُرسل إليّ، كما يرسل إلى غيري، وثائق وتقارير ميدانية وإحاطات عن نشاطات المجلس، لتوفر معلومات عن تطورات الأوضاع في إيران، ولتقدم صورة عن طبيعة سلطة الملالي هناك وأعمالها الإجرامية.

قبل أيام أرسل إليّ تقريرا مرفقا بصورتين؛ الأولى لسونا صمصامي، رئيسة المكتب التمثيلي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في الولايات المتحدة، خلال مؤتمر صُحفي عقدته هناك. والثانية لشابة إيرانية تقف في مواجه حشد قريب من ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وهي تتحداهم بقبضة مرفوعة وشعر رأس مكشوف بلا غطاء.

المفارقة بين الصورتين أثارت غضبا في نفسي؛ شعرت بالضيق لأن السيدة صمصامي كانت تضع حجابا، لو مرت به في كل شوارع طهران ما تعرض لها أحد، بينما تلك الشابة الجسورة تكشف عن شعرها متحدية نظام القمع كله، وكان من الممكن، وما يزال من الممكن، أن تتعرض للتعذيب والاغتصاب والقتل على يد أبناء الولي الفقيه، قدس الشيطان سره.

كتبت له أقول “هذه مجرد ملاحظة. نساء بلادكم وفتياتها يتظاهرن ويخاطرن بحياتهن من أجل نزع الحجاب، بينما النساء من قادة مجلس المقاومة الإيرانية مازلن يتحجبن، حتى وهن في مأمن. هذه مفارقة عجيبة. انزعوا الحجاب، تضامنا على الأقل. ولسوف أكتب مقالا بهذا المعنى أدعو فيه كل فتيات العالم العربي والإسلامي إلى التضامن مع نساء إيران، بأن ينزعوا الحجاب”.

الكثيرون في الغرب أشاروا إلى أن الحجاب هو أداة للقمع الإسلامي وصوّروا الأحداث في إيران على أنها احتجاج على القيود الدينية

فكتب لي يقول “يخاطر نساء ورجال بلدي من أجل إسقاط النظام.. وعندما نُسقط النظام سيكون الجميع أحرارا في اختيار ما يرتدون، في حجابهم أو لباسهم. نحن مجاهدي خلق أول من كان يدافع عن حرية النساء. وعندما كان الخميني يفرض على النساء الحجاب تظاهرت النساء المحجبات في مجاهدي خلق ليدافعن عن حق الفتيات اللواتي لم يضعن الحجاب، ومنعوا قوات النظام من الهجوم عليهن”.

ومن بعد ذلك قال لي “هذا ما كتبته عراقية”، ونقل لي فقرات تقول “أشار الكثيرون في الغرب إلى أن الحجاب هو أداة للقمع الإسلامي وصوّروا الأحداث على أنها احتجاج على الإسلام والقيود الدينية. هذا هو الأمر الذي أخطأوا بشأنه. إن تقليص كفاح النساء الإيرانيات وانتفاضتهن لمجرد خلع الحجاب هو أمر غير عادل بالنسبة إليهن. يحتاج الغرب إلى فهم أن هؤلاء النساء يناضلن من أجل حرية الاختيار وحرية العقيدة وحرية تقرير مستقبلهن وأسلوب حياتهن. يمكن أن يشمل هذا الأمر العديد من البلدان حول العالم.

وعلى الرغم من أنني امرأة مسلمة غير متدينة، أشعر بالحاجة إلى الدفاع عن النساء الأخريات اللائي يخترن ارتداء الحجاب وشرح سبب قيامهن بذلك. لقد أمضيت كل حياتي وأنا أكافح من أجل حقوق المرأة: لتحريرها من قبضة الرجال الذين يملون قراراتهم؛ أولئك الذين يعتقدون أن تعليم المرأة وملابسها ومستقبلها وطريقة حياتها تنتمي جميعها إلى حاكم ذكر أو زعيم ديني، أو حتى أب أو زوج. أتوقع أن أحظى بالاحترام والقبول لاختياري عدم ارتداء الحجاب؛ وبالمثل، يجب احترام وقبول النساء المسلمات الأخريات في الغرب بغض النظر عن اختيارهن.

بعد قولي هذا، فإن القضية الحقيقية هنا ليست ما إذا كان يجب على المرأة تغطية شعرها أم لا. يجب أن يتعلق الأمر بحق المرأة في الاختيار، سواء في إيران أو منطقة الشرق الأوسط الأوسع أو حتى أوروبا”.

سألت صاحبي، من تكون تلك الكاتبة؟ قال إنها داليا العقيدي، في مقال نشر بالإنجليزية في صحيفة “عرب نيوز”.

تبدد الغضب؛ إذ ظهرت صورة أخرى. كنت أعتقد أني على حق، وأنه حق جلي. ولكن اتضح أن “حقي” لم يكن حقا. رأيت الصورة، من جانبها الذي لا يُرى في الصورتين.

كنت أعتبر نفسي ذكيا عندما كنت أقول “ليس كل ما لا تراه غير موجود”. كان هناك شيء ناقص: “ليس كل ما تراه حقيقيّا فعلا”. الحق موجود أحيانا خلف ما لا تراه أو خلف ما لا تعتقد بوجوده. اُنظر في الصورتين؛ سوف ترى شيئا لا يظهر فيهما.

يحتاج الغرب إلى فهم أن هؤلاء النساء يناضلن من أجل حرية الاختيار وحرية العقيدة وحرية تقرير مستقبلهن وأسلوب حياتهن

كتبت له لأقول “هذا كلام مقنع تماما. ولقد ساعدني في تغيير وجهة نظري”.

شكرني، وقال إنه يقدر موقفي لأني سمعت كلمة حق وأيدته، وسألني أن أكتب موضوعا يساعد في تنوير الرأي العام حول هذا الجانب.

لم أحاول. لأني لم أجد ما أقوله فوق ما قالته داليا.

كان الحق واضحا في كلماتها أكثر مما يمكن أن يفعله أي كاتب.

في وقت لاحق علمت أن داليا العقيدي هي إعلامية عراقية ومرشحة عن الحزب الجمهوري لعضوية الكونغرس. وهي ابنة فنانين عراقيين كبيرين هما فخري العقيدي وغزوة الخالدي اللذان تركا بصمات مؤثرة وخالدة في المسرح والتمثيل في العراق عندما كان بلدا عزيزا.

داليا، بصمة أخرى، بنضج الرؤية وجرأة القول.

جميلٌ أحيانا أن تخطئ، فترى الصواب ماثلا بالحق المبين.

المصدر: العرب اللندنية

زر الذهاب إلى الأعلى